السبت، 29 يناير 2011













اعتاد أبي أن تكون المزرعة في جنوب الرياض ملجئا له في السنوات اللاحقة لوفاة أمي وتحديدا يوم الجمعة .. يذهب الى صلاتها باكرا و أخته تطل من البقعة الشمسية المحاذية للنافذة وتحتضن مذياعها المغطى بالجلد المتشقق من الزوايا وتلحقة بالكثير من الدعوآت .







يعود و المقعد الخلفي لسيارته محملا بكل مايحتاجه لتلك النزهة الجبرية , يدفع احدنا الآخر ويحتل اكبرنا المقعد الآمامي وانحشر انا في الوسط بلا خلف اسند عليه ظهري الصغير .. وأبي يخفي بندقية الصيد ورصاصها الخاص أسفل المقعد الذي اعتليه , ويبالغ في اخفائه عند مرورنا بنقطة التفتيش الفاصلة بين الرياض وقراها .





نصل الى الغرفتين المبنيتين من الحجر فقط ونستعد لمواجهة أطنان من الغبار وأصناف شتى من الحشرات الزآحفة التي ترمقنا بفضول ثم تحشر نفسها بين الثقوب . وانا أسبق الخطى كلها لأصل للجدار الخلفيّ وأرى ما كتبته في المرة الأخيرة بخط هزيل وبلون الفحم .. التفت لهم من القريب الذي أراه بعمري ذاك بعيدآ .. وأبي يسند لهم المهمات باشارات من عينية .. بدأ موعود بـ الحفر تمهيدا لاشعال النار .. اما المشاغب الأوسط فيسحب رجليه على براح الأرض باحثا عن مكان مستو ليغطيه ببساط دائما بلون بني كأنه أرض أخرى ..!





وبعد ساعة بتقديري الطفولي أعود من الكثيب القريب بعد ان تركت كاسي الصغير الذي لايتعدآ مستوى الشاي فيه المنتصف لـ أجد مكانهم خاليا , وكأنهم خططوا لذلك مسبقآ , أغص بـ شهقة تعلن اقتراب بكاء وعيوني تجول في المحيط بحثا عن أثر .. وتجئ قصص الرسوم المتحركة الى مخيلتي وألوم نفسي على عدم رمي احجار صغيرة أثناء قدومي طوال الطريق .. ولكن النار لاتزال مشعلة .. وتبعث  في رأسي  الجديد من الضلالات !





اعتليت الكثيب من جديد كـ حل أخير لبُعد أفق أوسع , و رأيت أخي الأوسط لوحت اليه وانا اقفز فـ اشآر الى رقبته ومعه آخر لا اعلم من أين اتى وقتها , أن ويل لي لو أتيت اليه .. لآ أستطيع ان اعبر عن خيبتي .. وشغلني عنها وقع الخطى بعد عودتي الى الحجرتين , أطليت لـ أرى المصدر ومن هول ما رأيت غدوت كـ الصنم .. ورجلي أصبحت كـ المكرونة المسلوقة التي تتهاوى ’ رجل أشيب بـ ثلاث أرجل لأن احدى أرجله عصا غليضة , الشعر يملأ وجهه بفوضوية .. يمر بجانبي وكأني لست هنا , أو أنه يقصد غاية بعيدة كل البعد عن المكان و الزمان .. لآ أتذكر رداءه ولا اعلم الى يومكم هل كان من أهل الأرض او ممن تحتها .





وجاء أبي من الناحية الأخرى بعد ان انزويت في زواية احدى الغرف , وكأنه لم يترك هنا طلفة لا تتجاوز الثامنة .. اسند كوعه الأيمن على المسند المتنقل وأطلق نظره بعيدا وسرح وعادا اخويّ من حيث لا اعلم . مادمت يآ أبي ستسرح كثيرا وتنطق قليلا .. مافائدة إحضارنا معك الى هنا , أنت مفجوع .. لست انت فقط كل منا مفجوع بطريقته الخاصة !





نتناول الغداء الذي لا ينضج إلا مع مغيب الشمس .. ونستعد لطريق العودة , السيارة مشرعة الأبوآب , أبي يلتقط ماتقع عليه يده ويجعل له حيزآ معنا .. لازلت أذكر رائحة النبات العشبي ذآ الزهرة الصفراء الذي يصر كل مرة على اجتثاثه والعودة به كـ شاهد كان حيا على وصولنا للمكان .. أما اوسطنا فيدير مذياع السيارة لتتصاعد أصوات كأنها من مجرات فوق السحب وموعود يطمر النار كما بدءها ..!



 

وانبعثت شهقة ألم ..





لم يكن الدم ينزف .. كان ينبعث من عرق يده كالنافورة , الاوسط العابث كعادته صوب البندقية واستقرت الرصاصة بقدرة قادر في مجمع عروق اليد الصاعدة من كف موعود , هرع أبي ليضغط مكان الدم المتدفق ويده تعجز , لوى غترته البيضاء المرقطة مرارآ وموعود لا ينبس .. ولونه يشحب .. داهمتنا الظلمة وحملنا انفسنا بداخل السيارة ورائحة الدم تطغي على انفاسنا .. ولون الغترة يتحول الى الأحمر والأوسط ينزوي في ركن السيآرة القصي !













أي فواجع الذكريات تحملين أيتها الجُمَع !



 



هناك تعليق واحد:

  1. للقراءه الاولى زاد النبض فيني خوفآ جدا


    طرحك حتى في ذكريات الحزن فخم جدا

    تتركين المتلقي ينتظر السطر التالي بشغف


    كل شهاداتي فيك مجروحه


    ابتسمي وغدآ اجمل باذن الله

    ردحذف